vendredi 26 février 2010

بــــين "الحضوة الخلاقـــة " و " الحضوة الهدامة " في برامج "الحق مع سامي "

في تعليقه على مشروع إستثماري ضخم شيده أحد المتنفذين, قال أحد المتتبعين للشأن العام أن ذلك المشروع ما كان ليرى النور لو كان باعثه غير ذي سطوة و نفوذ ...سطوة أهلته لأن يتجاوز بعض النصوص القانونية و العراقيل البيروقراطية التي كان يمكن أن تكون حجر عثرة أمام مشروعه.

التحلي بقدر قليل من الديبلوماسية و اللياقة , يجعل صاحبها يتخلى عن كلمة "سطوة " و يعوضها بـــــــ"حضوة "

يبدو أن من بين شروط نجاح بعض المبادرات الإقتصادية ( مشروع إستثماري ضخم) و حتى الإجتماعية ( نشاط جمعياتي بارز و مؤثر ) , الحصول على " حضوة " لدى أصحاب القرار... " حضوة " تؤهل صاحبها لأن يتجاوز العراقيل البيروقراطية.. و تسهل له النفاذ بين الثغرات القانونية و الإجرائية التي قد يتفنن بعض الموظفين في إستعمالها لقتل بعض المشاريع و هي في المهد.

يبدو أيضا أن هذا المبدأ قد بدأ يستشري في الميدان الإعلامي : بين الفينة والأخرى : تطفو على الساحة الإعلامية الناعسة فقاعات مبشرة بحراك جزئي : و هي برامج تلفزية , و إن حركت ظاهريا المياه الراكدة : لكن يبدو أنها ما كانت لترى النور لولا تلك " الحضوة" التي يحضى بها باعثو هته البرامج ...هذه "الحضوة" التي لا مانع في وصفها هنا بالــــ "الخلاقة" : لأنها مكنت أحيانا من خلق ببرامج لها بعد توعوي تحسيسي بنـّـــاء مثل برنامج "الحق مع سامي"... و هو برنامج يقال أنه قد أزعج بيروقراطيي البلد الآمن... بل و أودى بالمستقبل المهني للبعض منهم ...

إلا أن هذه الحضوة الخلاقة قد تحولت في عديد من الأحيان الى "حضوة هدامة" : إذ أرتج على المشاهد التونسي الملتف كل ليلة في إطار عائلي أغلبه محافظ , أرتج عليه ببرامج رديئة, كاريكاتورية سيئة المضمون , جيدة الصورة و الإخراج , تتاجر بمشاعر البسطاء و تتلذذ بعرض خصوصياتهم على الملأ... و أصبح معدو هذه البرامج يتفننون في إصطياد الحالات اللاأخلاقية البائسة و لا يتورعون في إبراز شخصياتها في شكل أبطال : فــــتحول " الشبروش" من "مطلوب للعدالة بتهمة التغرير بقاصر" إلى " روميو البطل" الذي يجابه الصعاب ليواعد بنت الجيران القاصرة على ضفة الوادي المعزول..

لقد تحول الأمر إلى كارثي بعد أن أصبح الخطاب الذي تبثه هذه البرامج ذو بعد تمييعي مقيت , يستخف بالأبجديات الأخلاقية لعموم المشاهدين ( الحلقات الأخيرة لــ المسامح كريم ) و لا يتورع في الدفاع عن تصرفات يجرمها القانون المدني قبل القانون الديني أو الأخلاقي

حينها بئس هذا "الحق" الذي "معاك" أنت فقط يا سامي : بئس هذا الحق الذي منح لك و حرم منه غيرك ... حرمت منه طاقات أخرى قد تكون لها أصوات خلاقة منافسة لنشاز بعض منوعاتك ... طاقات عديدة خلاقة -لا تعوزها سوى " الحضوة "- حرمت جزافا من الحق الذي منح لك ... فكان أن أغتنمت الفرصة لتقوم بتحويل قناة وطنية عمومية إلى "قناة الصبار الخاصة غير المعلنة" ... من فرط ما حشرت به تلك التلفزة العمومية من برامج يومية في الأوقات حساسة التي تغدق ثوانيها ذهبا على محتكريها

الأمر سواء مع قناة برلسكوني أيضا , يقال أن خطاب القناة يشبه شخصية ممولها ذلك الإيطالي الموصوف بإنفصام الشخصية وإنعدام الوازع الأخلاقي...خطاب القناة جاء مشابها لصاحبها في إنفصامه : خطاب ,في ظاهره, يستنزف جهودا شاقة للظهور بوجه تلقائي مرح ممزوج بلمسات حالمة تدغدغ أحلام المغاربيين في الوحدة و التقارب,,, و في باطنه برامج تجارية تافهة أقصى غاياتها الميوعة و المجون و التربــح من عائدات الإشهار لشركات الإتصالات و الياغرت المغاربية... خطاب القناة خلـّــف "نقمة" – كما يحلو للبعض تسميتها - ... خلف نقمة من ساقه سوء الحظ لمشاهدة بعض البرامج اليتيمة المؤثثة للقناة و التي لازالت تبحث دون جدوى عن رفع نسبة المشاهدة. القناة لا تخلو من ترهات لا يمكن أن تدخل صالون عائلة مغاربية دون أن تخلف بهتة و ريبة من تفاهة منشطيها و إنحطاط معجمهم الخطابي.

حين تتحول الفدلكة البليدة لمرتادي الحانات الشعبية إلى لسعات تدخل البيوت المحترمة دون إستئذان...

حين يتم إحتكار الصوت و الصورة , دون منح الحق البث للجميع ووفق ظوابط شفافة تتطبق على الجميع...

حين تتوالد الأصوات الناشزة و تحجب الأصوات المعتدلة...

حينها وجب رفع عدة علامات إستفهام مدروجة ببطاقات صفراء و حمراء